سنة 2024: التزام قوي ودور فاعل للمغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي
إنه تعبير فارغ من أي معنى ويغالط الجميع “إسلاميون معتدلون”، فرجل الدين الذي يقتحم عالم السياسة ليس بحاجة إلى الاعتدال. يشرح الكاتب الفرنسي مونتيسيكيو في كتابه “روح القوانين” كيف أن “الخير السياسي كالخير الأخلاقي موجود دائما بين حدين”، في الوقت الذي لا يعرف الإسلاميون إلا التطرف، رغم حفاظهم على خطاب مطمئن.
نحن نعلم أن ما هو ديني وما هو سياسي، بناء على التقنيات الجديدة للتواصل، يؤديان إلى نظام استبدادي، حيث تتحرك آلة قمع الحريات الفردية تحت قناع مصطلحي “الضبط” و”الأصالة”. نحن هنا نزاوج بين اللامعقول والحق الموضوعي، وهما أمران لا يتماشيان وبعضهما البعض، بل الأدهى هو أن ذلك يساهم في تفاقم المشاكل في المجال الاقتصادي. إن الرجوع على المبادئ الدينية لمحاربة الفقر والفساد هو سراب وعدم ملائمة تامة لمبادئ المعاصرة، حيث أننا نقوم برفع معنويات الناس عوض قطع الشر من جذوره الاقتصادية والسياسية.
الإسلام دين جميل في حال تم فهمه بالطريقة الصحيحة، فهو يجب أن يبقى في القلوب والمساجد، حيث أن الله يشدد على مسؤولية الفرد في هذه التصرفات، فالفرد ليس بحاجة إلى حكومة دينية لتملي عليه ما يجب فعله، في حين نجد أن الإسلام السياسي يتميز، على العموم، بتوجه مباشر يتمثل في دخوله حياة الناس، حيث يبدأ الأمر ببعض النصائح والإرشادات لينتهي بمرسومات وقوانين (فتاوي) تحكم الحياة اليومية للفرد، فهذه القوانين تمنع الفرد من التفكير، بل إنها تفكر في مكانه. إذن، ما جدوى التفكير والشك والنقاش مادام كل شيء قد كتب مسبقا؟
لقد كان المغرب على مر العصور دولة مسلمة، ولم يعبّر يوما عن حاجته في خلط الدين بالسياسة، حيث تواجدت به العديد من الجماعات التي كانت تتحرك في ظل المذهب المالكي وتنشط العديد من النقاشات فيما بينها. ترى، لماذا وقع هذا البلد اليوم بين أيدي سياسيين طموحين لهم قاعدة جماهيرية كبيرة وبرنامج غير واضح؟ماذا حدث؟ أنا لا أؤمن بتأثير لعبة “الدومينو”، لأن وضع المغرب مخالف تماما لتونس، خصوصا منذ مجيء الملك محمد السادس.هناك حقيقة واحدة: الديمقراطية كنظام انتخابي منحت روحها لحزب طموح ونشيط على الميدان، بالإضافة إلى أن الأحزاب الأخرى، التقليدية والجديدة، والمسلمة بدورها لكنها ذات طابع علماني، لم تتمكن من مخاطبة الشعب خصوصا الشباب القلق. لكن الخطاب الديني يبقى أكثر سهولة.
وفي هذا الإطار، سمعنا أن مرشحا من حزب العدالة والتنمية وعد من سيصوت عليه ب”ركن في الجنة”، والخطير في الأمر هو أن هذا الخطاب يؤتي أكله. فلتنافسوا هذه الديماغوجية الغبية التي تبقى دائما فعالة.
لقد تم تصميم الإسلاموية المغربية منذ سنوات، إذ يمكن أن نؤرخ لانطلاقتها منذ سياسة التعريب اللامسؤولة، حيث أتذكر سنة 1971، حين تركت منصبي كأستاذ للفلسفة يوم قررت وزارة الداخلية تعريب التعليم ليتمكن التلاميذ المغاربة من فهم نصوص الفلسفة التي كانت تدرس حينها بالفرنسية، إذ تم تعويض نصوص نيتشه وفرويد وماركش وويبر وآخرين بتاريخ الفكر الإسلامي، الذي كان يدرس إلى جانب مواد أخرى.
إن التعريب الفاشل للتعليم الوطني قد تم تجاوزه بعد العودة إلى التعليم الخاص مزدوج اللغات والمنفتح على ثقافات أخرى، فجميع المسؤولين عن هذه السياسة لم يدخروا جهدا في تسجيل أبنائهم في ثانويات البعثة الفرنسية، حيث يجد حاملو الدبلومات الفرنسية الشغل بطريقة أسهل من ذلك الذي لا يتقن سوى لغة الضاد، مما أدى إلى حفر هوة عميقة بين جانبين.
لم يكن التعريب وحده من ساهم في ظهور الإسلام السياسي، فالثورة الإيرانية والترويج الكبير لأفكار الإخوان المسلمين وكثرة قنوات الأقمار الاصطناعية لدول الخليج ركزوا على خيال المغربي المستعد لسماع خطاب يطمئنه ويعيد له الثقة، في الوقت الذي خذلته الأحزاب الأخرى بنقص كفاءتها أو عدم اكتراثها لهمومه. هناك معطى آخر يتمثل في كون هذه الانتخابات ليست نتيجة للديمقراطية، ورغم أن الناخبين أدلوا بأصواتهم في جو من الحرية التامة، إلا أن مشاركة 45 بالمائة ممن تم تسجيلهم يعني أن بيداغوجية العمل الديمقراطي لم تتقدم، لأن الديمقراطية ليست تقنية بقدر ما هي ثقافة. وبالتالي، فإن المغرب لم يكن لديه الوقت الكافي لزرع الديمقراطية في عقول المغاربة.
المغرب ليس في وضع يسمح له بنهج سياسة اقتصادية مبنية على تجربة إسلامية، فلنتمنى ألا يتسبب هؤلاء السياسيون في خسائر كبيرة، وألا يدفعوا بالسياح إلى الهروب والبحث عن وجهة جديدة، وألا يحبطوا المستثمرين. فلننتظر ونتابع ما سيفعلونه حين يتسلمون مقاليد السلطة.
وحتى لو انغمسوا داخل حكومة تحالف، فإن الإسلاميين المغاربة سيهددون تطور هذا البلد، الذي يعاني من معدل كبير من الفساد واللامساواة. هذه المشاكل لن يتم حلها بالصلوات، ولكن عبر تعبئة عقلانية ورغبة سياسية تجعل من محاربة الفقر والبؤس أولوية مطلقة.
ترجمة: ن.ص، جريدة لوموند