العام الثقافي قطر-المغرب 2024: عام استثنائي من التبادل الثقافي والشراكات الاستراتيجية
بقلم: نور الدين مفتاح، مدير نشر أسبوعية “الأيام”
عندما سنلتفت إلى الوراء بعد مغيب شمس هذه السنة، سنكتشف أننا في عمق التاريخ، وأن القدر ادخر لنا كجيل، واحدة من أبهى الصفحات في العالم العربي الإسلامي، الذي عاش قرونا من الانحطاط والغروب والنكبات، التي لم يكن آخرها إلا الاستعمار واحتلال فلسطين والإرهاب.
لقد سقت دماء زكية أرض المغرب الكبير واندلعت شرارة ثورة قلبت أنظمة ومعها قلبت مجرى التاريخ في عالمنا الذي لم يكن موسوما إلا بالانتحاريين و”الحراكين” ومجانين الدين وعتاة الديكتاتوريين، فإذا به يصبح عنوانا للإقدام والحزم ونهوض أمّة بعد سبات طويل. في هذه السنة سيقطف المغرب وردة 20 فبراير، وستتحرك السواكن بفعل شباب مشحون بالحماس، تواق إلى الانطلاق من الباب الرئيسي للتغيير، وهو باب السياسة، حيث إن الإصلاح السياسي هو الممر الإجباري لكل حرية وكرامة، وهكذا انطلق القطار.
وكنا كلما مر علينا أسبوع، إلا وتجد الأمل يتسع بمقدار اتساع الخوف على إضاعته، ورغم كل التعثرات بعد الخطاب الملكي ل9مارس إما قمعا أو تحالفا سياسيا هجينا أو انزياحات إدارية أو مخزنية مقلقة، فإن النتيجة في النهاية كانت مذهلة، استطاعت فيها الانتخابات المغربية، وإن لم تكن مثالية، أن تكون الانتخابات الأحسن في تاريخ الاستشارات الشعبية بالمملكة.
فاز الحزب الإسلامي الذي ظل فزاعة مخيفة يرفعها بعض مدعي الحداثة لتأبيد الجمود، وهذا على الرغم من أن الكثيرين من المختلفين فكريا وإيديولوجيا مع الإسلاميين كانت لهم معركة صادقة مع هؤلاء، أدّت في نهاية المطاف إلى جر الإسلام السياسي المغربي إلى الوسط المعتدل، وبالفعل أصبحنا نعيش اليوم في ظل نتيجة متقاربة مع ما تعيشه دول الثورات، ولكن بدون ثورة عنيفة. إنها تجربتنا، ولكن لا يجب أن نستعجل الاطمئنان اللامشروط حتى لا ننخدع بانتشاء عابر.
سنة رائعة مرّت، حيث وضعتنا على السكة، لكن السنة القادمة تبقى في علم الغيب، وكل شيء فيها رهين بإرادة الفاعلين الرئيسيين في ملعب الإصلاح. والسؤال الجوهري الذي يطرح الآن هو: هل ستسمح الدولة للإسلاميين بقطف ثمار الإصلاح، وبالتالي يحسب لهم النجاح فيما فشلت فيه الدولة؟
إذا تمّ تغليب منطق التخندق والمناورة، فإن هذا الأمل المتسع في قلوب المغاربة جميعهم سيكون مآله الانطفاء، وحينئذ لا أحد يمكنه أن يتكهن بالمصير والمآل. أما إذا تم الاقتناع أن السيل بلغ الزبى، وأن السكين قد وصلت إلى العظم كما يقول المغاربة المكلومون، وان النجاح سيكون نجاحا للمغرب، فإن ثورتنا الهادئة ستكون نموذجا وسنسير في اتجاه إصلاح أعمق في السياسة، وسنبدأ في نفض المآسي عن الملفات الاجتماعية والاقتصادية، وسيحلو هذا العيش المشترك في إطار التكافؤ والتوزيع العادل للمنافع والواجبات.
إن حظوظ نجاح الإصلاح موجودة، فالمغرب غني برجالاته وكفاءاته وطبيعته وموقعه وموارده، إننا لسنا دولة بترولية ولكننا دولة ثروة إمكانات، وتخلفنا هو أننا كل مرة نخلف موعدنا مع التاريخ، وفي هذه المرة لن يرحمنا هذا التاريخ لأنه يفتح صفحة القرن أمامنا جميعا، فإما أن نستغلها أو أن نسدل ستائر اليأس على المملكة، وهذا ما لا نتمناه.
ليس لنا إلا خياران، إما النجاح أو النجاح، وما دام الشعب يريد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر كما قال الشعر الشابي، والقدر ليس غيبا ولكننا نصنعه بأيدينا، فلتنتصر الأيادي البيضاء في هذه السنة الواعدة، لأن الأهم ليس هو أن نقول سنة سعيدة 2011 ولكن هو أن نقول من خالص القلب سنة سعيدة في نهاية 2012 بعد أن نكون قد قدّمنا الجواب الجميل على أسئلة المغرب العميق خلال العام القادم، فلذلك تجد المغاربة قاطبة اليوم في شرفة الوطن ينتظرون.
عن عمود “تلك الأيام”