أكورا بريس- عادل الكرموسي
هي واحدة من أغرب قصص الصفقات التي أطلقها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في عز انتشار كورونا، مع ما خلفته من مآسي اجتماعية واقتصادية، تسببت في تسريح للعمال وفقدان آلاف مناصب الشغل وحرمانهم من الاستفادة من خدمات واجبات الانخراط التي توقفت بسبب عجز العديد من المقاولات عن الوفاء بالالتزاماتها للصندوق بسبب هذا الوباء العالمي ، مما عمق من تاثيرات كورونا الاقتصادية والاجتماعية.
الصفقة العجيبة تتعلق بمبلغ خيالي تم تخصيصه لصباغة مقر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وملحقته، وهي صفقة تمت شهورا قبل أن يحل عبد اللطيف مرتقي، المدير العام بالنيابة للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، قبل أيام بقبة البرلمان، ويدق ناقوس الخطر، ويعلن عن فقدان صندوقه 440 مليارا في عام واحد، اعتبرت خسائر جراء تراجع الاشتراكات في 2020، ما جعله يتوقع تسجيل عجز مالي على مستوى المعاشات في 2023 بدل 2024، كما كان متوقعا في السابق.
ودق المسؤول نفسه ناقوس الخطر بشأن نضوب احتياطات صندوق التقاعد، الذي يجب إصلاحه، بشكل عميق، جراء إكراهات تقنية عديدة بينها ضعف التصريح بالعاملين لدى القطاع الخاص.
الصفقة التي باتت تثير الاستغراب وسط الصندوق، بسبب قيمتها المالية المرتفعة، أطلقها الصندوق يوم 04 فبراير 2020، وأشرفت عليها مديرية المشتريات واللوجيستك التي يرأسها مصطفى العنبري، هذا الأخير الذي تمت إزاحته من منصبه، وتعيينه على رأس مديرية الافتحاص ومن المنتظر أن يتسلم مهامه يوم الاثنين القادم، حيث شهدت قاعة الاجتماعات بهذه المديرية صباح هذا 4 فبراير الماضي، فتح الاظرفة الخاصة بطلب العروض، بعروض أثمان من أجل اشغال تهيئة مقر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي ودار المؤمن، وملحقة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، في أربعة من الصفقات التي تتعلق واحدة منها بأشغال صباغة مقر الصندوق، الملحقة.
ما يثير اكثر من علامة استفهام، هو المبلغ الخيالي الذي خصص لهذه الصفقة، والذي تجاوز 544 مليون سنتيم، في الوقت الذي أطلق فيه الصندوق حصة مالية أخرى لإعادة تجهيز مآرب الصندوق ودار المؤمن ستشمل أيضا أشغال صياغتهما، صفقة مالية تجاوزت 192 مليون سنتيم.
ما يثير الانتباه ايضا، والشكوك حول دواعي اعتماد هذا المبلغ الضخم، من أجل صباغة مقر الصندوق وملحقته، هو أن صفقة مماثلة كان الصندوق أطلقها نهاية سنة 2009، همت 8 جهات، تم صباغة حوالي 30 مقرا للضمان الاجتماعي بمختلف مدن هذه الجهات، ولم تتعدى الصفقة ساعتها حوالي 96 مليون سنتيم.
الاختلالات المالية التي قد يعرفها الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بسبب هذا النوع من الصفقات التي تحوم حولها المزيد من الشكوك، كانت محور نقاش داخل قبة البرلمان، في وقت سابق، حيث نبه بلعيد أعلولال عضو فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب، إلى أنه بالرغم من كون مؤسسة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعية تقوم بدور مهم في خدمة الأجراء والوطن، إلا أن هناك مجموعة من الاختلالات التي تعرفها حيث يتداخل في تدبير هذا الصندوق النقابي والإداري بشكل كبير في الاتجاه الفاسد لهذه العلاقة، حيث يتم التحكم في القرارات المهمة في سير العمل الاعتيادي كالتعيينات والتوظيفات والترقيات.
وأكد أعلولال، في مداخلته خلال اجتماع لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب، بحضور وزير الشغل والادماج المهني والمدير العام للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يوم الأربعاء 23 دجنبر الجاري، أن أي محاولة لإرجاع المصداقية للصندوق الوطني للضمان الاجتماعي من خلال شفافية التدبير المالي والإداري سيكون لها وقع إيجابي على الساحة الاجتماعية ببلدنا، مشيرا إلى أن هناك من يشير إلى وجود محسوبية في التوظيفات تحتاج إلى افتحاص، وتعيين لبعض المتقاعدين من الصف النقابي مأجورين لدى الأعمال الاجتماعية للصندوق وبأجور عالية.
وبعد أن أكد على أن هناك سيطرة على مفاصيل مديرية الأعمال الاجتماعية والتعاضدية الخاصة بالعمل الاجتماعي وتحويلها لخزان مالي لفائدة العمل النقابي والمحظوظين، داعيا البرلماني عن حزب رئيس الحكومة، إلى ما وصفه، “ضرورة تقييم الصفقات مع شركات مشبوهة”.
يشار أن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، أطلق خلال نفس طلب العروض، صفقات أخرى خاصة بإصلاح نقاط المياه لمقره ودار المؤمن، وإعادة تهيئة الأرضية المبلطة بالنسبة لمقر الصندوق ودار المؤمن، بمبالغ مالية تجاوزت في مجموعها حوالي 115 مليون سنتيم.