سنة 2024: التزام قوي ودور فاعل للمغرب داخل مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي
أجرى الحديث: عبد الإله الدغوغي/و م ع/
تستعرض السيدة آمنة بوعياش، التي ترأس المجلس الوطني لحقوق الإنسان منذ 6 دجنبر 2018، في حديث خصت به وكالة المغرب العربي للأنباء، وضعية حقوق الإنسان بالمغرب على ضوء القضايا والتطورات الأبرز التي تشهدها الساحة الوطنية والدولية.
تعدد الفاعلين في مجال حقوق الإنسان، النموذج التنموي الجديد، الحريات، التقارير الدولية ومكانة الشبكات الاجتماعية وغيرها، مواضيع تطرقت إليها السيدة بوعياش.
1- كيف تنظرون إلى حصيلة سنوات من التعايش مع باقي الهيئات التي تزاول عملها في مجال حقوق الإنسان؟
لن أتحدث عن تعايش مع باقي الهيئات التي تعمل في هذا الميدان. فالمجلس الوطني لحقوق الإنسان يتوفر على ولاية وصلاحيات واختصاصات محددة. إذ يسهر، في إطار ممارسة مهامه، على الوقاية من الانتهاكات والحماية من ارتكابها، والنهوض بحقوق الإنسان، في إطار ما نسميه بالمقاربة الثلاثية.
يزاول المجلس الوطني لحقوق الإنسان مهامه من خلال ثلاث آليات وطنية، يتعلق الأمر بالآلية الوطنية للوقاية من التعذيب، والآلية الوطنية للتظلم الخاصة بالأطفال ضحايا انتهاكات حقوق الطفل والآلية الوطنية الخاصة بحماية حقوق الأشخاص في وضعية إعاقة، وأيضا من خلال اللجان الجهوية التي تتولى تتبع ومراقبة وضعية حقوق الإنسان على المستوى الجهوي.
إننا لا ننخرط في مقاربة تنافسية مع باقي الهيئات التي تعمل في مجال حقوق الإنسان، بل إن دورنا يتمثل في ضمان الوقاية ومساءلة السلطة التنفيذية من أجل حماية الحقوق والنهوض بها، واقتراح توصيات على البرلمان لملاءمة التشريع الوطني مع المعاهدات التي صادقت عليها المملكة.
المجلس الوطني لحقوق الإنسان يتدخل حين يتعلق الأمر بانتهاك لحقوق الإنسان. بطبيعة الحال، نحن مدعوون بشكل دوري لإبداء وجهة نظرنا أو تقديم عناصر إخبار لفائدة شركاء وهيئات مؤسسات وغير مؤسساتية أخرى تعمل في مجال حقوق الإنسان، سواء على المستوى الوطني أو الدولي، لكن لا يتم الأمر في إطار من التنافس أو التعايش، بل في إطار التكامل المستقل.
وبصفته مؤسسة وطنية لحماية حقوق الإنسان والنهوض بها وفقا لمبادئ باريس الناظمة لعمل المؤسسات الوطنية لحقوق الإنسان، فإن الحيادية والموضوعية والاستقلالية تعد أسس مهمتنا، وتنير سبيل مقاربتنا للقضايا وبلورة مواقف في مجال حقوق الإنسان.
2- مجال حقوق الانسان في المغرب يشهد تعدد الفاعلين مع اختصاصات متداخلة. هل تتقاسمون هذه الملاحظة؟
إن التطور الحاصل في مجال حقوق الإنسان بالمغرب يعتبر مكسبا من شأنه، بالضرورة، تشجيع فاعلين على الاهتمام بهذه القضية، غير أن تعدد الفاعلين يحمل جوانب إيجابية، وفي الوقت نفسه أخرى أقل إيجابية. بالفعل، هناك تباين في الآراء بشأن قضايا حقوق الإنسان، مما يفرز ارتباكا لدى الرأي العام، بشكل أو بآخر، سواء كان الأمر صحيحا أم لا.
داخل المجلس الوطني لحقوق الإنسان، نتصدى لهذه الصعوبات في مجال حقوق الانسان، من خلال تبني عنصرين أساسيين: يتعلق الأول بالنهوض بالمعرفة في المجال، مما يمكن من توصيف انتهاكات حقوق الإنسان الذي يخول لنا تقديم التوضيح الضروري لبناء وتدعيم مسلسل ضمان حقوق الإنسان. أما العنصر الثاني الهام فيتمثل في تعزيز القدرات بشكل يتيح التحكم في الحجج والمعارف ودعامات تقييم حقوق الإنسان، التي تختلف عن معايير المجال السياسي أو الشأن العام.
وفي هذا الصدد، يسعى المجلس إلى تعزيز الشراكات مع المنظمات غير الحكومية، ولكن أيضا مع الجامعات باعتبارها فضاء للتفكير والبحث والنقاش. غير أنه ولحد الآن، نعتبر أننا، بالمغرب، لم نرق بعد إلى مستوى الكفاءات الضرورية سواء على المستوى المؤسساتي أو غير المؤسساتي الذي يتيح العمل واستيعاب وتملك هذا التطور في مجال حقوق الإنسان.
3- تحاول بعض التقارير الدولية الصادرة عن منظمات غير حكومية التقليل من شأن، بل ومصداقية التقدم الذي حققته المملكة في مجال حقوق الإنسان. كيف تعملون على مواجهة هذا الوضع؟
بالفعل، هناك العديد من تقارير منظمات غير حكومية دولية، ولكن أيضا وطنية، حول وضعية حقوق الإنسان بالمغرب. والأمر مرتبط بما سلطت عليه الضوء. هنا أيضا، أعود إلى المهمة الرئيسية للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، المتمثلة في تقديم المعلومات المتحقق منها والموثوقة.
يتعلق الأمر بعملية دؤوبة تتطلب عملا متواصلا. إذ وبخصوص كل ادعاء بشأن انتهاك، يتعين أن نأخذ بعين الاعتبار وقائع ومحيط وملابسات الانتهاك المفترض، في ارتباط بطبيعة الحال بقضايا حقوق الإنسان.
يتعلق الأمر إذن، بعمل يتم في الوقت نفسه على أرض الميدان، لكنه يتطلب كما حاولت توضيحه في جوابي على سؤالكم الثاني، كفاءات ومعارف هامة في إطار ما أسميه بمنهجية وتحليل الحقوق، الكفيلة لوحدها بتقديم توصيف أو تشخيص لوضعية حقوق الإنسان. تشخيص نستطيع على ضوئه صياغة توصياتنا واتخاذ القرارات التي تفرض نفسها في مجال الحماية والوقاية.
بالنسبة لنا، إذن، في المجلس الوطني لحقوق الإنسان، يتمثل الأمر الأساس في تقديم هذه المعلومات للرأي العام الوطني والدولي، وأيضا تقديم، حين يقتضي الأمر، الفوارق الضرورية في مجال توصيف انتهاكات حقوق الإنسان. مثلا، في مجال التعذيب، لاحظنا أن هناك خلطا كبيرا لدى الرأي العام، وحتى لدى الفاعلين السياسيين وغيرهم، بشأن تعريف التعذيب وما يتصل بالمعاملات القاسية وغير الإنسانية والمهينة. إذ ودون معرفة دقيقة ومعمقة بالمجال، فإن مبدأ الشرعية يتعرض، ومن وجهة نظر المسؤولية القانونية، للتقويض.
ومن وجهة نظر عامة، سأقول إن ما ينقصنا هو تكوين متين في القانون الدولي، خاصة في مجال حقوق الإنسان، يتجاوز الشعارات السياسية والإيديولوجية البسيطة، ليقدم حلولا ملموسة وبراغماتية للمشاكل الحقيقية للمجتمع.
وفي هذا الصدد، أذكر بأننا نحاول أن نقدم للرأي العام، وفي كل مرة تسنح فيها الفرصة، توضيحات ومعلومات متعلقة بالتشريع الدولي، سواء الخاصة بالمحاكم الدولية أو المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان وأيضا المحكمة العليا الأمريكية. حاليا، لم نلاحظ، وللأسف، تفاعلا مرضيا مع هذه الجهود، حتى من طرف الفاعلين الوطنيين.
هناك إذن الكثير مما يتعين القيام به في مجال المعرفة بحقوق الإنسان. دورنا يتمثل في أن نتقاسم مع الرأي العام آخر ملاحظات لجان حقوق الإنسان ومستجدات التشريعات المتعلق بمعالجة انتهاكات حقوق الإنسان بغية تمكين الجميع، سواء تعلق الأمر بفاعلين مؤسساتيين، بما فيهم هيئة القضاء، أو فاعلي المجتمع المدني، من استيعاب هذه الأدوات.
يتمثل دورنا، أيضا، في تقديم وجهة نظرنا وفقا لإطار قراءتنا، والمتمثل في دستور المملكة والمعاهدات الدولية لتقديم التوضيحات المتوخاة بشأن القضايا الثقافية والاجتماعية لدى الرأي العام، والمشرع والسلطة التنفيذية والمجتمع المدني.
المسألة الأخرى التي أود التشديد عليها تتعلق بثقافة حقوق الإنسان. إذ يتعين الإقرار بأننا نعاني عجزا في مجال نشر هذه الثقافة. حري بالقول إن الشبكات الاجتماعية تصعب علينا قليلا هذه المهمة. فبقدر ما تعد هذه الشبكات الاجتماعية مهمة لنشر الرأي والتعبير عنه، بقدر ما تزيد احتمالية ضررها في مجال ثقافة حقوق الإنسان، من خلال الحض على الكراهية والعنف والتمييز والعنصرية.
4- النموذج التنموي الجديد أبرز سلسلة من المسائل يتعين إعادة النظر فيها لاستعادة ثقة المغاربة. ماذا عن مؤسستكم؟
تقرير لجنة النموذج التنموي الجديد أبرز قضايا قدمنا بشأنها رؤيتنا وتوصياتنا، وكذا مقترحات واضحة ودقيقة، من قبيل تلك المتعلقة بالحريات الفردية. كنا جد واضحين بشأن هذه القضايا واقترحنا، بشأنها، إدخال تعديلات على القانون الجنائي في أكتوبر 2019.
رصدنا أيضا، في تقاريرنا الموضوعاتية، أسس وظروف الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها عدد من مناطق المغرب. سجلنا أن القضية تكتسي، بالتأكيد، طابعا سوسيو اقتصاديا، غير أنها أدمجت أيضا جوانب ثقافية وهوياتية.
أبرزنا كذلك أهمية البيئة الرقمية والمواطن الرقمي، بصفته فاعلا في تطوير الحريات العامة. إذ نعتبر أن المغرب والمغاربة والمجتمع، بصدد إرساء نموذج ناشئ في مجال الحريات العامة، والذي يتطلب تدبيره نقاشات وتشاورا.
إنني على يقين بأن القيود القانونية غير المتناسبة لا يمكن أن تستجيب لانتظارات المواطنين، أو أن تؤدي إلى تطوير فضاء الحريات العامة هذا.
هناك أيضا قضية المساواة، التي تعد جد هامة بالنسبة لنا والتي تطرق لها التقرير حول النموذج التنموي الجديد. نحن إذن، وبصفتنا مؤسسة وطنية، نجد أنفسنا ضمن العديد من القضايا التي تطرق لها التقرير. كما أن السيد شكيب بنموسى، الذي قدم مضامين التقرير خلال جمعنا العام في 16 يوليوز الماضي، أوضح أن لجنة النموذج التنموي الجديد لم تستند فقط على مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان المقدمة إلى اللجنة، بل أيضا تقاريره الموضوعاتية ومذكراته الأخيرة.
5- حرية التعبير، زواج القاصرات وغيرها من قضايا المجتمع أثارت جدلا على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا، ما تعليقكم؟
مع تطور الشبكات الاجتماعية والبيئة الرقمية، شخصيا، أعتقد أنه سيكون من الصعب تقييد حرية التعبير، غير أنه من الضروري تطوير آليات التقنين الذاتي والسهر على وضع ضمانات بشأن الحض على العنف والعنصرية والتمييز، ولكن أيضا في ما يتعلق بالتشهير والتحرش. يتعلق الأمر بمسؤولية جماعية.
إن هيئة القضاء بالمغرب مدعوة لبذل مزيد من الجهود في مجال التناسب والتلاؤم، في إطار معالجة الحالات وتغليب تشريع مغربي يضمن ممارسة الحريات، خاصة التعبير، ويدين كافة أشكال الكراهية والعنصرية. لدينا الكثير من العمل الذي يتعين القيام به في المجال.
من الضروري أيضا أن نأخذ بعين الاعتبار تطور المجتمع والعلاقات داخل الأسر ومشاركة أفرادها، خاصة النساء، في تراكم الرأسمال وبالتالي تقاسم الإرث الأسري. فالقوانين التي تغفل عن واقع المجتمع تفقد قيمتها بالنسبة للمواطنين وتساهم في أزمة الثقة التي يصفها التقرير حول النموذج التنموي الجديد.
إن موقف المجلس الوطني لحقوق الإنسان بشأن زواج القاصرات واضح وصارم أيضا. ففي سنة 2019، نظمنا حملة بهذا الشأن ونواصل المراقبة الضرورية لزواج القاصرات، باعتباره إحدى الانتهاكات الجسيمة في حق الأطفال والفتيات. إنها مسألة أساسية بالنسبة لنا، كما تشهد على ذلك معالجتها في تقاريرنا السنوية.
لقد دعونا إلى حذف المادة 20 من مدونة الأسرة التي تتيح زواج القاصرين واستعادة القاعدة التي تنص على تحديد سن الزواج في 18 سنة. في ظل الجائحة، تعرضت أجندتنا لبعض الاضطراب، غير أننا سنعود إلى هذا الموضوع. أعتقد أنه حان الوقت لإجراء تعديل على بعض مقتضيات مدونة الأسرة، التي من شأنها تقويض مسلسل المساواة بين الرجال والنساء.
بطبيعة الحال، ما يثير تفاعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير حاليا يتمثل في الاغتصاب والعنف الجنسي، سواء في حق النساء أو الرجال أو الفتيات أو الأولاد. في هذا الإطار كذلك، قدمنا موقفا واضحا وبشكل مبكر: المجلس الوطني لحقوق الإنسان كان قد دعا في 2019 إلى تعزيز المقتضيات الجنائية بشكل يصنف العنف الجنسي باعتباره جريمة وليس مجرد وصفه “اعتداء على الشرف” كما هو الحال الآن. أعتقد أن هناك وقائع اجتماعية أخرى تستحق اهتمام المشرعين بشكل يتيح توسيع الحماية وضمان الحقوق، خاصة لفائدة الأشخاص في وضعية هشة: الأشخاص في وضعية إعاقة، والنساء، والأطفال.