(بقلم: عمر عاشي)/ و م ع/
واشنطن – مازالت جائجة كوفيد-19 مستشرية في شتى بقاع العالم. غير أن تعاقب الإعلانات عن التوصل إلى لقاحات واعدة وفعالة يعطي بارقة أمل طال انتظارها للخروج من الأزمة. فهل سيكون هذا اللقاح في متناول الجميع؟ وهل يكفي اللقاح وحده لطي هذه الصفحة المظلمة من تاريخ البشرية الحديث؟
والواقع أن الرهانات كبيرة لأن الوباء زاد من حدة المقاربات الأحادية وفاقم الخصومات بين القوى العظمى، في الوقت الذي تتمسك فيه منظمة الصحة العالمية بتحذيرها من أن ” اللقاح وحده لن يكون كافيا للتغلب على هذه الأزمة الصحية غير المسبوقة”.
وقد كان المجتمع العلمي في سباق مع الزمن منذ ظهور أول حالة إصابة بفيروس كورونا بمدينة ووهان الصينية في نونبر 2019. ويبدو أن جهود عمالقة صناعة الأدوية بدأت تؤتي أكلها، مما سيمكن الدول الكبرى من إتاحة المصل لمواطنيها في أقرب وقت.
ويأتي المغرب في صدارة الدول المقبلة على لقاح (كوفيد-19)، وذلك في إطار المقاربة الملكية الاستباقية المعتمدة منذ ظهور فيروس كورونا في المملكة، حيث أعطى جلالة الملك محمد السادس تعليماته السامية من أجل إطلاق عملية تلقيح واسعة النطاق ضد هذا الفيروس. وكان الأمان والفعالية معيارين أساسيين في اختيار اللقاح، والتنسيق يجري مع منظمة الصحة العالمية من خلال برنامج “كوفاكس” (COVAX) الذي يهدف إلى ضمان التوزيع العادل للقاحات على مستوى العالم.
وبعد اللقاحات الصينية وبعض اللقاحات الأخرى التي توجد حاليا في مرحلة متقدمة من التجارب السريرية، توالت الأخبار السارة القادمة من الولايات المتحدة، ذلك أن الوقت يبدو ضاغطا في هذه البؤرة العالمية للوباء التي تواجه تفشيا جديدا للإصابات تجاوز، مؤخرا، عتبة 150 ألف حالة إصابة يوميا، وحصيلة 10,7 ملايين إصابة و244 ألفا و200 حالة وفاة.
وكانت شركة التكنولوجيا الحيوية الأمريكية (مودرنا) قد أعلنت، مؤخرا، أنها طورت لقاحا فعالا للغاية، وهو تقدم يأتي بعد أسبوع من الإعلان عن لقاح شركة (فايزر). وقد لقي الأمر ترحيبا من لدن الرئيس دونالد ترامب والرئيس المنتخب جو بايدن، وكذا المجتمع العلمي والأسواق المالية.
وأجمعت الصحف الأمريكية على الحديث عن “أنباء متفائلة من أجل التغيير”، في ظل الانقسام الحاد والتوترات التي تشهدها البلاد على خلفية النزاع بشأن نتيجة الانتخابات الرئاسية، حيث لا يعترف ترامب بالهزيمة حتى الآن، مما يعقد، بحسب منتقديه، المرحلة الانتقالية بالنسبة للإدارة المقبلة، والتي تنتظر بفارغ الصبر تفعيل رؤيتها المتصلة بالتصدي للوباء وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية الوخيمة.
وفي غضون ذلك، يبدو أن التفاؤل هو أفضل ترياق للمرحلة، إذ أعلنت شركة (مودرنا) أن لقاحها، الذي لا يتطلب التخزين في درجة عالية من البرودة مثل منتوج شركة (فايزر)، فعال بنسبة 94.5 في المائة خلال مرحلة التجارب في الولايات المتحدة. ويبدو أيضا أنه يمنع العدوى الخطيرة، كما أثبت درجة عالية من الفعالية لدى الفئات الهشة التي تتأثر بالوباء على نحو حاد.
هذه اللقاحات، التي تؤخذ في جرعتين، في طريقها للحصول على الموافقة خلال الأسابيع المقبلة من أجل ستخدامها في حالات الطوارئ. وتعتزم الحكومة الأمريكية، اعتبارا من شهر دجنبر المقبل، أن تقدم الجرعات الأولية للفئات ذات الأولوية والمعرضة للخطر، مثل العاملين في مجال الرعاية الصحية والمسنين.
وبحسب الدكتور منصف السلاوي، المستشار العلمي لعملية (warp speed) “سرعة البرق” بالبيت الأبيض، سيتلقى حوالي 20 مليون أمريكي لقاحا لفيروس كورونا في دجنبر المقبل، ويمكن تلقيح 25 إلى 30 مليون أمريكي كل شهر بعد ذلك.
وسيكون توزيع لقاحات (كوفيد-19) في الولايات المتحدة نفسها تحديا. ويرجع ذلك جزئيا إلى أن إدارات الصحة بالبلاد تقول إنها تفتقر حاليا إلى التمويل اللازم. ماذا عن باقي العالم إذا؟
على المستوى العالمي، أظهر الافتقار إلى التنسيق الكافي في الاستجابة لـ (كوفيد-19) منذ ظهوره كيف ينقسم المجتمع الدولي حول هذه القضية،إذ فضلت الدول التدابير المحلية على التعاون الدولي.
ورغم ذلك، تم وضع نظام لتسريع الوصول إلى أدوات مكافحة الفيروس (أكسيليريتور أكت)، وهي عملية تعاون عالمي تهدف إلى تسريع تطوير وإنتاج وسائل التشخيص والعلاج واللقاحات وضمان الولوج العادل إليها.
إلا أنه، وعلى خلفية التوترات السياسية والتنافس الاقتصادي، اشتدت المواجهة بين الولايات المتحدة والصين في مقدمة سباق اللقاحات. وهكذا، تغلبت المقاربة الأحادية على التعددية التي تعد أساسية في مواجهة مثل هذا التحدي العالمي، وهو الوضع الذي يكرسه قرار ترامب بالتوقيع على الانسحاب من منظمة الصحة العالمية، في حين وعد جو بايدن بإلغاء هذا الإجراء عند تنصيبه في 20 يناير.
وحذر العديد من الخبراء والقادة السياسيين، لا سيما في بلدان الجنوب، من أنه لنيكون من الممكن احتواء هذا الفيروس، الذي يتجاوز الحدود الجغرافية، واحتواء الصعوبات المتعلقة بإمداد اللقاح في ظل المقاربة التجارية التي تنتهجها بعض شركات الصناعات الدوائية.
وبينما يظل موقف الصين هو الأنسب في ما يتعلق بإمكانية الولوج إلى البلدان النامية، يتوقع البعض أن تفي إدارة بايدن بوعودها لتعزيز نهج شامل حتى تتمكن جميع الدول من الولوج إلى كمية اللقاح المطلوبة.
وحتى في هذه الحالة، فإن المعركة ستظل مستمرة على المدى القصير، وهو الأمر الذي يزعج منظمة الصحة العالمية، حيث صرح المدير العام للهيئة الأممية، الدكتور تيدروس أدهانوم غيبريسوس، أنه “منذ بداية الوباء، علمنا أن اللقاح سيكون ضروريا للسيطرة على (كوفيد-19)، ولهذا السبب اقترحت منظمة الصحة العالمية نظام (أكت أكسيليريتور)، ولكن “ما يزال أمامنا شوط طويل لنقطعه”.
وأكد أنه “ستكون الكميات محدودة في بداية عملية التلقيح، وبالتالي ستكون الأولوية لطاقم التمريض وكبار السن والمعرضين للخطر. نأمل أن يؤدي ذلك إلى خفض عدد الوفيات والسماح للمنظومات الصحية بالمقاومة، وذلك من خلال كسر سلاسل العدوى وإنقاذ الأرواح”.
ولكن بالنظر إلى حجم الأزمة والإرهاق الشديد الناجم عن الوباء ،ثمة أمل في نهاية الطريق، في حال ما أصبحت اللقاحات الفعالة متاحة وسهلة الولوج على نحو كاف، حيث ستساهم في تضاؤل الوباء بشكل كبير وعودة الحياة تدريجيا إلى طبيعتها.