د. حنان أتركين ( نائبة برلمانية)
عيون الساقية الحمراء، في مكانها وفي مجالها الجغرافي، وفي حضن ترابها الأوحد، وفي ارتباط طبيعي بشمالها منذ أن خلق الكون وإلى أن يرثه الله…فالمغرب في صحراءه والصحراء في مغربها…
عيون أمينتو تراها في مكان آخر، متخيل، متوهم استقلاله، بكينونة خاصة به، لم تتحقق في التاريخ، والحمد لله لا يدعم ذلك إلا طموحات شيخوخة عسكرية خرفت بصدأ معداتها العسكرية…إنها الدولة الموعودة المبنية بالرمال، والأوهام، والدماء، والأوجاع، والطموحات التوسعية، وكثير من ايديولوجيا الحرب الباردة…
عيون الساقية الحمراء، حرة، تنطق بما بدى لها، غير أسيرة ولا مطوقة، إنها تسافر بعينيها مدى البصر وتجوب الكون حالمة بمستقبل واعد في جهوية متقدمة، وفي بلد صاعد كما يتحدث بذلك الأعداء أنفسهم…والحق ما شهد به الأعداء….
عيون أمينتو، تستمتع بحرية العيون، لكنها أسيرة حقد دفين، يعتنق الانفصال لا مذهبا، بل عملا مؤدى عنه، فخزائن البترول تفتح لأصحاب هذا المذهب، وييسر لهم ملاقاة الخارج، وتفرش لهم سجادات الإعلام، وتمنح لهم جوائز نظير التنكر لدمهم، لذويهم ولوطنهم…فلكل جماعة خوارجها…
عيون الساقية الحمراء، تناقش ما بدى لها، غير خائفة من رصاصة غدر، ولا أسر في غياهب مجهولة، ولا تعذيبا ممنهجا، ولا اختفاء قسريا…فالكل مطروح للنقاش، بما في ذلك الطابو، والمزعج، وخطاب الآخرين…إنها ثقافة المصالحة التي تلف أديمها، وثقافة الحقوق التي تسكنها…
عيون أمينتو، ترى في المصالحة تعويضا، وفي الحرية تحريضا، وفي الابتزاز عملا وصنيعة، وفي معاداة وطنها بناء مجد، فتجوب بسيارتها، وهي آمنة مطمئنة، دروب وأزقة العيون، برفاه جلي في الهندام والراحلة، تتاجر بمآسي الصحراويين بتندوف، مقدمة، بذلك، جرعة حياة للكابرانات، ولأحلام اليقظة التي راودتهم ذات مرة، والتي تحولت اليوم إلى كابوس…
عيون الساقية الحمراء، خرجت عن بكرة أبيها في الانتخابات الأخيرة، لقد رأت في ذلك بناء للدولة الحديثة ولمؤسسة الجهة، إنها تخطط لتعزيز الرابط الأبدي بشمالها كما جنوبها، وتنفذ نموذجا اقتصاديا واعدا، يشارك فيه كل أبنائها، بدعم دولي متزايد، وباستثمارات وبمشاريع لم تتوقف رغم الجائحة ورغم الأزمة…إنها الثقة في النموذج وفي القائمين عليه…
عيون أمينتو، أعمتها زوابع الرابوني، فلا ترى مأساة الأطفال، ولا مخلفات التهجير القسري للشابات والشبان نحو كوبا، ولا استفزازات سلطات تندوف، ولا الجوع ولا ضيق الأفق الذي يعاني منه الصحراويون، الذين تتاجر بهم “القيادة”، لاستعطاف كرم وجود المنظمات الدولية، قبل تحويل العائد من ذلك إلى حساباتهم البنكية الخاصة…أليس للحرب أيضا تجار وثروة تجنى…
عيون الساقية الحمراء ترى في الحاكمين في الجزائر، مسؤولية معاكسة المغرب في حقوقه التاريخية، وفي سيادته على مجاله، وفي تأخير بناء الاتحاد المغاربي الذي حلم به جيل الآباء والأجداد فجر الاستقلال، وفي إدامة منطق الفرص الضائعة، في زمن ليس فيه مكان إلا للقوى المتكتلة…
عيون أمينتو، على العكس، ترى في ضباطها وجينرالتها “أشقاء”، مناصرين لها…تخاطب ودهم، بل الأصح عطائهم، تتودد إلى أحلامهم، تغازل أوهامهم، وتمجد صنيعهم، عيون “بوق” لا عيون “صدق”، عيون مدح مؤدى عنه، عيون تكابر، تعاند الحقيقة، لا تريد أن ترى إلا ما يقال لها، أو تعتقد أن وقعه جيد على أذن وقلب مشغلها؛
عيون الساقية الحمراء، مفتوحة صادقة، فكل يوم نصر جديد، ومكسب عائد، ودرجة تنجز، ومرتبة تحصل، ونمو يسجل، فليست في حاجة إلى خلق “الحدث”، فهي الحدث، بل و”الحدث المستمر”، لأنها تنتمي إلى وطن يحضنها ولا يبخل عنها…
عيون أمينتو، لا انتباه يشد إليها، ولا اهتمام بها…فتتحين الفرص، وتعظم الأشياء، وتنفخ في الرماد طمعا في إشعال الفتيل، فترى في مباراة كرة قدم، وفي نتيجتها، حربا، وانتصارا، وسحقا، فتخرج “متحفلة” وتعطي تصريحا على عجل وهي تقود سيارتها، وتتحدث باسم العيون كلها، وتبدي سعادة غامرة وتبسما لسم ينفذ منها…عيون الساقية الحمراء، لا تكترث لذلك، فهي تدرك، عبر دروس سابقة، أن البحث عن “الانتصار” منتهى ذلك وغايته، فتأنف عن الرد، وعن المتابعة، ليقينها بأن هذا الخطاب في أفول، وليقينها بأن الحقيقة ساطعة، لا يراها من ببصره غشاوة…
تنام عيون الساقية الحمراء قريرة، مطمئنة، واثقة…وتغمض عيون أمينتو في قلق، ووجل وترقب…لعل القدر يجود لها بفرصة أخرى، تستطيع بها أن تغالط الرأي العام، وأن تشوش على ما تنقله بصدق وأمانة عيون الساقية الحمراء…لكن هيهات ثم هيهات…