“سافر أكثر مما سافر سندباد” بهذه المقولة يفتتح الرحالة العُماني حارث الشريقي، رحلاته التي تجوب دول العالم من شرقها حتى غربها وصولاً إلى القطب الشمالي، وغابات أفريقيا الشاسعة المليئة بالتنوع الحيوي، في ظل المخاطر الطبيعية المُحدقة.
وانطلاقاً من فكرة التّجوال في الأمصار القريبة والبعيدة، ورصد ما بها من أعاجيب، ووصف الأقاليم وتضاريسها، وطبيعة حياة الشعوب، وتدوينها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدأ الشاب الثلاثيني حارث الشريقي في زيارة أكثر من 40 دولة وتوثيق نشاطاته فيها، لتصبح مرجعاً يعود إليه الباحثون عربياً وغربياً، وتسطّر بشأنهِ العديد من المقالات والحوارات التلفزيونية، ومن الممكن أن نُطلق عليه “ابن بطوطة العُماني”.
بداية الترحال الدولية
بدأ الشاب الرحالة حارث الشريقي سفره منذ نعومة أظفاره، حيث كان يجوب المناطق العُمانية الداخلية، ومن ثم تطور وزار بعض دول الخليج براً، حتى ركب أول طائرة في حياته مسافراً إلى خارج بلاده، امتثالاً لسنن الترحال في الأرض و السفر التي دعا إليها القرآن الكريم في سورة العنكبوت “قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”، وكان قدر الرحالة أن يحط في أول سفرٍ له في تايلند عام 2011، مع ما رافقها من مصاعب كأول رحلة خارجية لشابٍ صغير، خصوصاً ان الحجز “أونلاين” للطائرة والمواعيد لم يكن شائعاً وسهلاً كما في هذه الأيام.
وبعدها توالت الرحلات الواحدة تلو الأخرى، حيث كان مقصد حارث الشريقي الثاني ألمانيا وبعض الدول الأوروبية، مروراً بروسيا والقطب الشمالي، ومن ثم أمريكا شمالاً الى المكسيك جنوباً، وبعدها استقر مدةً أطول في القارة السمراء (أفريقيا).
الوصول لأعلى قمة في أفريقيا
في أفريقيا، بدأت رحلات حارث الشريقي التي أحبها جداً والمعشوقة إلى قلبه أكثر من أي بلد أوروبي أو أجنبي آخر، بسبب طيبة قلوب الناس وبساطة عيشهم في الغابات المطيرة والصحاري الممتدة، وبدأت حسب قوله “حياة الأكشن والمغامرات” حيث يُعتبر الرحالة حارث من العرب القلائل الذين صعدوا أعلى قمة جبلية في إفريقيا، وهي قمة جبل كلمنجارو في تنزانيا على الحدود مع كينيا والمغطاة بالثلوج، في مدة استغرقت منه أكثر من 6 أيام صعوداً ونزولاً في أجواء قاسية جداً، مع التعرف على طبيعة الدولة الخلابة المطيرة وعادات الناس فيها، والتجول في المحميات الطبيعية ومشاهدة الحياة البرية والحيوانات ونقلها عبر حسابه في الإنستغرام.
وفي ذات القارة السمراء, تجول حارث الشريقي ما بين مدينة مومباسا الكينية وزنجبار، وكيفية تأثر البلاد بالحضارة العُمانية التي امتدت قرون في الساحل الشرقي الإفريقي، قبل انتهائها عام 1964 ونفي آخر سلاطين زنجبار العُماني، جمشيد بن عبد الله آل سعيد.
عُمان حاضرة بقوة في أفريقيا
ولذلك فإن الأصالة العُمانية وبعض تقاليدها وعاداتها وحلوياتها وطعامها، ما زالت قائمة في الساحل الشرقي الإفريقي الذي زاره الرحالة حارث الشريقي، بالإضافة إلى وجود اللغة العربية، حيث يقول الرحالة، إن زيارته لتلك المناطق بدت وكأنه يعيش في عُمان ولم يخرج منها، بسبب التجذر العُماني في تلك البلاد، وطبيعة الملابس التي يرتديها السكان هناك ومشابهتها للزي العُماني.
في أثيوبيا، عاش الرحالة حارث الشريقي معيشة الناس المحليين البسطاء، ونام في بيوتهم المصنوعة من القش والطين، وتعرف على عادات غريبة جداً، مثل وضع بعض الصحون في شفتي المرأة لتكبيرها دليلاً على جمالها بين الرجال، وكلما كان الصحن أكبر كان مفهوم الجمال أكبر، بالإضافة إلى عادة الزواج الغريبة، والتي تقضي لمن بلغ وانتهى مرحلة الطفولة أن يقفز فوق عدد من الجواميس عُرياناً دون أن يسقط، فإن نجح بفعلته تمت الشهادة برجولته وأنه مؤهلٌ للزواج، كما يقوم أحد الرجال في قبيلة “الهمر” بجلد ظهور النساء حتى تتفطر ظهورهن دماً، إثباتاً لقدرتها على الحب مع الرجال.
كما خيّم حارث الشريقي في إثيوبيا وتنزانيا وسط الغابات والمحميات الطبيعية المليئة بالحيوانات والأسود، ونقل كافة التفاصيل عن الحياة البرية وعن الحيوانات المهددة بالانقراض، وتجربة أكل لحوم التماسيح والنعام، قبل أن يعرف لاحقاً أن لحم التمساح “حرام”.
ولم ينسَ الرحالة حارث الشريقي المرور بنيجيريا والتعرف على طرق العادات الصوفية، ومعيشة الناس في العاصمة “لاجوس” وسط أجواء وأنهار ملوثة وتنبع منها الرائحة التي تُزكم الأنوف، لكن الناس هنالك دائماً مبتسمين ويعيشون حياة جميلة، والتعرف على طعام البلاد وتجربة الأكل النيء، كما وجاب حلقات تحفيظ القرآن الكريم الكبيرة، والتي تُخرج الآلاف من الحفظة على مدار العام في هذا البلد الإفريقي الكبير.
هدف السفر والرحلات
ويُعتبر الهدف الأسمى للرحالة العُماني حارث الشريقي، توثيق حياة الشعوب في انحاء العالم بطريقة مغايرة عن الرحالة الآخرين، والنزول إلى مستوى المعيشة والحياة التي يعيشها غالبية سكان الدولة التي يسافر إليها، والعيش وسط القبائل الإفريقية والتي لا يصل إليها الإعلام والبعيدة عن الحضارة ولا يعرف عنها أحد في العالم.
ومن خط الاستواء الإفريقي، سافر الرحالة حارث الشريقي إلى السودان وتعرف على الطقوس الحياتية النوبية وعمارة الأهرامات القديمة، والطقوس الصوفية القديمة، والالتقاء على نهر النيل ونقلها بالصوت والصورة، ومن ثم طار مُسرعاً إلى الأردن ونقل لنا طبيعة الحضارة الرومانية القديمة والحياة الأردنية وتذوق حلويات الكنافة الشهيرة.
ويُعرّف الرحالة حارث الشريقي بعد سفره لعشرات الدول، على أن السفر هو خروج من الروتين اليومي ودائرة الراحة على اعتبار أنها شغف وهواية وحالها حال الهوايات الاخرى.
ويسعى الرحالة إلى بث روح السلام العُمانية إلى كافة الدول والأمصار، وتعريف الدول الأخرى أيضاً بالحضارة العُمانية العريقة الممتدة منذ قرون في الجزيرة العربية والساحل الإفريقي.