يومية بريطانية تسلط الضوء على المؤهلات التي تجعل من المغرب الوجهة السياحية الأولى في إفريقيا
كان معمر القذافي يعتبر نفسه فرصة ذهبية لبلاده وشعبه والعرب والأفارقة. كان مريضاً ومستبداً. لا يطيق كلمة معارض ولا يسمح لسُبابة بالارتفاع. سمّى المعارضين «الكلاب الضالة» وأرسل فرق القتل تصطادهم في العواصم القريبة والبعيدة. كان الرعب سيد الموقف. التقيت ذات يوم في فندق اوروبي احد معارضيه. كان الخوف بادياً على وجهه على رغم وجود حراس على مقربة منا. كان ينظر باستمرار الى الباب كمن يخشى وصول فرق القتل. وكان يلتفت كلما اهتزت الستائر.
ترك القذافي وراءه سلسلة من الجرائم الغامضة التي لم تتضح ملابساتها بعد. لا يزال اللبنانيون يسألون عن مصير الإمام موسى الصدر رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الاعلى الذي اختفى خلال زيارة لليبيا في 1978. ولا يزال بعض الليبيين يحاولون استجلاء ظروف مقتل وزير الخارجية الليبي السابق منصور الكيخيا الذي خطف في القاهرة ونقل الى طرابلس حيث واجه جلاده ومصيره.
كلما حاورت سياسياً ليبياً أسأله عما يعرف عن تلك الجرائم الغامضة. اعتقال جلاد النظام السابق عبدالله السنوسي لم يساعد حتى الساعة في كشف الروايات الحقيقية. لهذا أعدت طرح الاسئلة على محمود جبريل رئيس الحكومة السابق وزعيم «تحالف القوى الوطنية».
جبريل ايضاً مهدّد بالاغتيال. وها هو يكشف ان أحد أبناء القذافي استأجر عدداً من القناصة الروس لاغتياله مع صديقه عبدالرحمن شلقم وزير الخارجية السابق في عاصمة اوروبية. سألته ايضاً عن ملابسات اغتيال اللواء عبدالفتاح يونس إبان الثورة. وهنا نص الحلقة الثانية:
> حكي عن محاولات اغتيال استهدفتك؟
– هناك ثلاث محاولات أعلمها فعلاً. بعض المحاولات كانت أثناء الثورة وأثناء الانتفاضة، واحدة كانت في بنغازي تطرق اليها البغدادي المحمودي في إحدى مكالماته الهاتفية التي رُصِدَت وأذيعت في ما بعد، وواحدة كانت مخططة لي ولعبدالرحمن شلقم كانت عبارة عن مجموعة من القناصة الروس (قتلة مأجورون) الذين يعملون مع شركة سويدية جرى استئجارهم بواسطة أحد أبناء القذافي، وتم توقيع الاتفاق في باريس، لاصطيادنا في أي مدينة من المدن الاوروبية التي يستطيعون الوصول الينا فيها، والمحاولة الثالثة تم إخباري بها، وكانت هناك محاولات بعد سقوط النظام. ولكن هذه المحاولات الآن موزعة ما بين ثلاث جهات: محاولات يسعى اليها أتباع النظام السابق، ومحاولات يسعى اليها بعض المتشددين من تيار الاسلام السياسي، ومحاولات لأسباب قبَلية من أطراف معينة لدواعٍ قبلية مردها التناحر القبلي القديم. أنا من قبيلة ورفلة وهي من أكبر القبائل الليبية. وقبائل ورفلة بينها أشخاص كانت لهم أدوار كبيرة في الثورة منهم على سبيل المثال مهدي زيو الذي ينسب اليه أنه قام بعملية انتحارية لتفجير بوابة معسكر «الفضيل»، وهي أقوى كتائب القذافي في بنغازي وكانت تلك الكتيبة محصنة تحصيناً شديداً وكان أفرادها يقتلون المتظاهرين بالعشرات. مهدي زيو أحضر أنابيب غاز ووضعها على بلدوزر وأضرم النار خلال اختراقه البوابة. فجّر نفسه وفجّر البوابة ففتح المجال للثوار لاقتحام المعسكر، وكان سقوط «الفضيل» مقدمة تحرير بنغازي. وغيره كثيرون. في جدابيا هناك بعض الشخصيات وفي البيضاء وفي أماكن عدة. حُسِب على هذه القبيلة أن بعضاً من أفرادها ظلوا موالين للقذافي وترتب على ذلك أن استُغلَّ هذا الأمر لمحاولة تحييد هذه القبيلة من التوازن الاجتماعي، وسوِّقت هذه الاسطوانة كمبرر بحيث إن هذه القبيلة عُزِلت تقريباً عن الحراك الاجتماعي العام وأصبحت وكأنها يجب أن تُنبَذ نتيجة هذا الموقف. على رغم أنه لم يرد عبر التاريخ أن أفراداً من قبيلة معينة تؤخذ قبيلتهم بالكامل بجريرة أعمالهم وتصنف هذه القبيلة المنتشرة في كل أنحاء ليبيا وهي من أكبر قبائل ليبيا. أنا لا أعتقد أن هناك قبيلة، سواء ورفلة أو ورشفانة أو مصراتة أو ترهونة أو غيرها، تؤخذ بجريرة أفعال بعض أبنائها، لا سلباً ولا ايجاباً، فالقبيلة أكبر من ذلك وهي متجذرة في التاريخ وأدوارها معروفة تاريخياً إن كانت في صف الوطن أو ضد الوطن.
> هل لديك دليل على قضية استئجار القناصة الروس؟
– لا، أُبلغنا بها من أحد أجهزة المخابرات. أيضاً المحاولات الأخيرة، محاولتان أو ثلاث، بعد سقوط النظام أُبلغنا بها من أحد أجهزة المخابرات، إحدى المحاولات كانت دخلت تقريباً حيز التنفيذ في طرابلس بحيث اضطررت الى أخذ حقيبتي والتوجه الى المطار. الغريب أنه في هذه الأجواء يسوَّق أن محمود جبريل لديه ميليشيات وكتائب خاصة به، إذ يقال إن أكبر كتائب الزنتان، ويطلق عليها اسم «كتيبة القعقاع»، تتبع محمود جبريل وهو مَنْ يموّلها ومَنْ يُحضِر لها السلاح. منطقياً، لو كانت «القعقاع» تتبع محمود جبريل، لكان تصدى لقانون العزل السياسي الذي فُرِض بقوة السلاح. لماذا لم يتصدّ محمود جبريل لإرغام الاعضاء على التصويت ضد هذا القانون في المؤتمر الوطني ما دام وراء أكبر الكتائب وأقواها؟ ثم الأهم من ذلك، لماذا يُهرَّب محمود جبريل الى المطار بسبب محاولات الاغتيال.
> مَنْ نصحك بالتوجه الى المطار؟
– بعض الإخوة الذين كانوا موجودين في الطرف الآخر اتصلوا هاتفياً وقالوا إن الموضوع دخل طور التنفيذ.
اغتيال عبدالفتاح يونس
> لماذا اغتيل وزير الداخلية السابق عبدالفتاح يونس؟
– اغتيل في 28 تموز (يوليو) وكنت حينها في السودان لإحضار السلاح. عبدالفتاح يونس شخص وطني، لا يستطيع أحد أن يزايد على وطنيته، هو كان من «الضباط الأحرار» أيام معمر القذافي، وكان قائد «قوات الصاعقة» ثم عُيّن وزيراً للداخلية في نظام القذافي. لدى اندلاع الثورة انشق، وكان في بنغازي، وانضم الى الثورة. كان ممسكاً بالجيش وبدأ محاولة لتأسيس جيش ليبي جديد بفتح معسكرات وخرَّج الدفعة الثانية. وكان حلمه ألا ندخل طرابلس إلا بجيش نظامي، هذا الأمر اصطدم بالمشروع الذي يهدف الى عدم إقامة جيش وأن تتحول ليبيا الى مموِّل للمشروع فقط. وبالتالي أعتقد أن عبدالفتاح يونس تم اغتياله لسببَيْن: استُغلَّ أن عبدالفتاح كان قائد «قوات الصاعقة» عندما قام القذافي في التسعينات من القرن الماضي بضرب التيارات الاسلامية المتشددة في منطقة الجبل الأخضر فتم استغلال هذه العناصر ضد عبدالفتاح يونس، ولكن السبب الرئيس أن عبدالفتاح يونس لو استمر كان هدفه الأسمى إعادة بناء الجيش الليبي وهذا الأمر لا أعتقد أنه كان مطلوباً إطلاقاً لأنه يتعارض مع المشروع. كان المطروح إقامة حرس وطني. إقامة جيوش جدية في المنطقة تتعارض مع برنامج الفوضى. انظر الى هذه الحالة الأمنية الفظيعة التي أصبحت فيها اسرائيل الأقوى بلا منازع. انظر الى ما جرى للجيش في العراق وسورية وما كان مخططاً لمصر.
المحاكمة في جريمة الاغتيال لا تزال مستمرة. وكان مصطفى عبدالجليل أعلن في أحد أحاديثه أن المتشددين الاسلاميين هم مَنْ قتلوا عبدالفتاح يونس، ربما لأن قضية عبدالفتاح يونس تناولها المجلس الوطني الانتقالي، ولم يتناولها المكتب التنفيذي، وأحالها الى القضاء العسكري في البداية والآن تحولت الى القضاء المدني. إتُهِمَ فيها كثيرون ثم قُلِّصَت أعداد المتهمين. هذه القضية أعتقد أنها ستقض مضاجع الليبيين لفترة ما لم يُحكَم فيها بالعدل لأن هذه الشخصية شخصية وطنية بامتياز وقبيلة عبدالفتاح من القبائل التي لعبت أدواراً وطنية متقدمة في التاريخ الليبي، وموقفها الوطني إثر الاغتيال يُحسَب لها لأنها لو طالبت بالثأر في ذلك الوقت لانتكست الثورة في مهدها، ولكن ابناءها انتصروا للوطن واعتقدوا أن القضاء هو الذي سيأخذ مجراه. القضاء الليبي عاجز عن ان يفعل شيئاً.
سر شكري غانم
> وما دمنا نتحدث في الامن، هل كانت وفاة رئيس الوزراء السابق شكري غانم في فيينا طبيعية؟
– تشريح الطب الشرعي يقول إن الوفاة كانت طبيعية نتيجة أزمة قلبية، لكن ظهرت أقاويل كثيرة أن وفاته لم تكن طبيعية بل كانت عملية اغتيال، هل تمت بالسم ام هل دفعه احد الى هذه البحيرة؟ لا أحد يعرف الحقيقة وسيظل ذلك لغزاً. وأعتقد أنه أمر مرتبط بأموال أو شيء من هذا القبيل ولكنني لا أدعي أنني أعرف تفاصيل هذا الموضوع.
> قيل ان أموالا للنظام كانت مودعة باسمه؟
– ظهرت هذه التقارير والمعلومات. في الفترة الاخيرة من النظام السابق كانت المؤسسة الوطنية للنفط التي يرأسها شكري غانم تأخذ نصيب المؤسسة وموازنتها من عائدات النفط وتحوّل الباقي الى الحكومة. ثم صدر قرار أو توجيه بأن تدخل العائدات كلها الى الخزينة ثم تُصرف موازنة المؤسسة وفق بنود محددة لها. أعتقد أن هذا الأمر لم يرق للمؤسسة وبالتالي كانت هناك أموال مجمدة من النفط تحول الى حساب آخر، هذا ما قيل كأحد أسباب «اغتيال» شكري غانم لأنه كانت لديه السلطة على حساب آخر تحول اليه الأموال. آخرون يقولون إن شركة «اني» الايطالية لها علاقة بهذا الأمر ولكن أنا على الأقل لا أعلم حقيقة هذا الأمر.
> لم تكن لك علاقة شخصية مع القذافي؟
– لم أره على انفراد إلا مرة واحدة. جالسته ايضاً في حضور ثلاثة أو أربعة إخوة وكان موقفي موقف المستمع أكثر منه المتحدث. التقيته منفرداً لأن استقالتي رُفِضَت ثلاث مرات وكانت لعبة ما بين البغدادي المحمودي، رئيس الوزراء، وسيف الاسلام إذ كنت في كل مرة أوعَد بالموافقة على الاستقالة ثم أكتشف العكس. تحدثت خلال اللقاء لمدة ساعتين إلا ربعاً ومن بداية الحديث أبلغته أنني سأتحدث كاستشاري، والاستشاري أفكاره وآراؤه لا تحتمل التقويم، فهو يصنف الأشياء: أبيض أو أسود مثل الطبيب ولكن لا يعني هذا أنه مع المريض أو ضده، وبالتالي أرجو أن يؤخذ الكلام الذي سأقوله من هذا المنظور.
تحدثت عن ثلاث دوائر تشكل الواقع الليبي وحضر ذلك اللقاء بشير صالح لتسجيل المحضر. قلت ان هناك دائرة أولى اسمها الدائرة الأمنية، ودائرة ثانية هي دائرة الايديولوجيا، ودائرة ثالثة هُلامية تحاول أن تتشكل، مرة يسمّونها دائرة الاصلاح ومرة يسمونها دائرة التنمية، ولكن لا ملامح لها ولا هوية. الدائرتان الأولى والثانية بينهما علاقة عضوية أبدية، فمرة نوظف الأمن لمصلحة الايديولوجيا ومرة نوظف الايديولوجيا لترسيخ الأمن، لكن الدائرتين الأولى والثانية تحالفتا ضد الدائرة الثالثة. بينما الأمن الجديد في المنطقة لن يتأتى إلا من خلال التنمية، ولن تكتسب الايديولوجيا صدقية إلا لو كانت هنالك تنمية حقيقية على الأرض، فالايديولوجيا من دون تنمية تُعتبر كلاماً مفرغاً من محتواه والأمن لن يتحقق في ظل وجود جوعى وعاطلين من العمل.
لم يعلّق القذافي بأي كلمة ولكنه كان يسجل ملاحظات فقط. الى أن تدخل بشير صالح بسؤال واحد، وأعرف أن السؤال كان بإيعار من القذافي، فقال: لكن يا أخ جبريل يُقال عنك إنك من «الاخوان المسلمين». قلت: أنا لست من «الاخوان المسلمين». اتهموني بأنني زعيم «الاخوان» في ليبيا وهذا دليل على أن مَنْ يدّعون الايديولوجيا لا يفهون حتى في التيارات الفكرية السياسية. فتدخل حينها القذافي قائلاً: لا هذا شخص عروبي من التيار القومي. فعلقت أنني كفرت بالايديولوجيا منذ بداية الثمانينات، وأنا أعتقد أن الانتصار في المستقبل هو للخيار المعرفي لأن الايديولوجيا تُحجِّم المعرفة لأنها اختيارات مسبقة، بينما المعرفة هي عبر البحث عن المعرفة في المجهول.
> ربطتك علاقة بوزير الخارجية السابق منصور الكيخيا الذي قتله نظام القذافي؟
– منصور الكيخيا كان وزير الخارجية ثم أصبح في ما بعد مندوب ليبيا في الأمم المتحدة، لم يكن صديقاً ولكن ربطتني به علاقة وثيقة، وكان من رجالات الدولة القلائل الذين مروا في تاريخ ليبيا. رجل شجاع، هناك تطابق حقيقي بين القول والفعل في سلوكه، كان يتحدث عن الديموقراطية ويمارسها.
> هل لديك معطيات عن ظروف مقتله؟
– عند اختطاف منصور الكيخيا من القاهرة وإحضاره الى ليبيا كانت هناك روايات كثيرة. هناك من قال انه اغتيل منذ البداية ووصل الى ليبيا ميتاً، ثم اتضح لاحقاً أنه وصل حيّاً بعدما نُقل بطائرة من طبرق الى طرابلس ثم سُجِن في مكان ما. عند دخولنا طرابلس، بعد الانتفاضة والتحرير وسقوط النظام، كنت مهتماً بقضيتين في الحقيقة: قضية منصور الكيخيا وقضية الإمام موسى الصدر، والبحث عن مصيرهما في السجون الليبية.
وجدنا في سجن أبوسليم زنزانة تحت مكتب عبدالحميد الحارس، الذي كان آمر السجن وقائد الحرس الشعبي وأحد جلادي النظام. وأبلغنا أن هذه الزنزانة كانت لنزيل خاص، إذ بنيت خصيصاً منفصلة عن بقية السجن. أحضرنا الرجل العجوز الذي كان حارس تلك الزنزانة فكانت الأوصاف التي أعطانا إياها أقرب الى أوصاف الإمام موسى الصدر. وبدأنا نتحرك من خلال استجواب ذلك الحارس والحراس الذين سبقوه على أساس أن ذلك النزيل كان الإمام موسى الصدر. وجرت اتصالات بيني وبين رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي والتقينا في نيويورك، وكنا قد وجدنا جثة اعتقدنا أنها جثة الإمام الصدر. وكنا طلبنا، قبل العثور على تلك الجثة، مساعدة من الرئيس ميقاتي وهي أن يمدّنا بطبيب شرعي أو اثنين لأن الموضوع كان مكلفاً به شخص واحد لدواعي السرية، الدكتور عثمان عبدالجليل، والشخص الذي كان يباشر التحقيق اسمه أحمد المجدلي وكنت مرتاحاً لإئتمانهما على هذا الملف.
ثم اكتشفنا مقابر جماعية تضم عدداً كبيراً من الجثث ونحتاج الى أخذ عينات فطلبت مساعدة الرئيس ميقاتي بمدنا بواحد أو اثنين من الأطباء الشرعيين من لبنان، لكن للأسف لم نحصل على تلك المساعدة. استمر الاعتقاد بأن مَنْ كان في الزنزانة هو الإمام موسى الصدر الى أن أخبرني المحقق في مكتب النائب العام أنهم وجدوا في المشرحة في مستشفى «شارع الزاوية»، وهو المستشفى المركزي في طرابلس، جثثاً موجودة في الثلاجة منذ عام 1979 ومن ضمنها ثلاث جثث في كيس واحد، فافترضنا أن تلك جثث الإمام موسى الصدر ورفيقيه. اتضح في ما بعد أن الشخص الذي كان في تلك الزنزانة شخص آخر غير الإمام الصدر لنكتشف في ما بعد أن الجثة التي كانت في الثلاجة في تلك الزنزانة كانت جثة المرحوم منصور الكيخيا كما أثبت فحص الـ «دي أن آي» وليست جثة الإمام موسى الصدر.
منصور الكيخيا كان سجيناً في تلك الزنزانة الخاصة في سجن أبوسليم بعد أن ترددت إشاعات بأنه كان مسجوناً في فيلا في حي الأندلس وأنه دُفِن فيها. وبالتالي بقيت جثة منصور الكيخيا محفوظة داخل ثلاجة في سجن أبوسليم لسنوات عدة لأنه توفي في عام 1997 أو 1998 واحتفظوا بجثته في ثلاجة في تلك الغرفة المحصّنة المعزولة عن بقية السجن.
انقطعت علاقتي بالتحقيق في قضية الإمام الصدر ولكن أعتقد أنهم وصلوا الى بعض الخيوط المهمة في هذا الموضوع ولكن لا يزال هناك أخذ ورد مع الجانب اللبناني في كيفية حل هذه القضية. في ذلك الوقت كان اللبنانيون قبضوا على شخصية ليبية، شادي صبري، الذي كان رئيس الخطوط الافريقية وكان متهماً بأنه نقل الكثير من الأفارقة كمرتزقة أثناء الانتفاضة واعتقله اللبنانيون وأودعوه السجن ثم أطلق سراحه ولكنهم احتفظوا بجواز سفره. وكان معروضاً نوع من المقايضة لحل موضوع الإمام موسى الصدر: بأن يأتي أحد المسؤولين اللبنانيين ويستجوب عبدالله السنوسي، الذي يعرف خفايا قضية الإمام الصدر، على أن يتم في مقابل ذلك تسليم شادي صبري.
> ذكِر أن وفداً لبنانياً زار ليبيا ولكن عبدالله السنوسي أعطى الوفد أجوبة مضللة؟
– أعتقد أن محضر الاستجواب فيه اجابات عدة غير حقيقية. هم كانوا يريدون عينات من القفطان أو الجبَّة أو العمامة التي يلبسها الإمام، أشياء تثبت وفاته، لتعطى لأسرته للتيقن من وفاته وهذا الأمر لم يحدث. كنت التقيت مدير الامن العام اللبناني اللواء عباس ابراهيم أكثر من مرة وشعرت أنه جاد في الوصول لحل في هذه القضية، وكان من المفترض أن يُدعى من جانب السلطات الليبية لزيارة ليبيا وأن يتوجه بنفسه، كونه شخصاً أمنياً متخصصاً، للقاء عبدالله السنوسي، وهذا الأمر لم تتم للأسف الاستجابة له من الحكومة الليبية. ولا أعرف لماذا، فأنا أعتقد أن هذا أمر منطقي في مقابل الحصول على شخص متهم ومطلوب للعدالة في ليبيا. أنا أعتقد أن شادي صبري ما زال في لبنان وأن السلطات اللبنانية تتحفظ على جواز سفره.
> ماذا تقول عن مصير الإمام موسى الصدر؟
– هناك روايات عدة ولكن لا نعرف الرواية الصحيحة. هناك مَنْ يقول انه قُتِلَ على يد عبدالله حجازي، وهو رجل استخبارات قديم، وهناك مَنْ يقول إن مَنْ قتله هو سعيد راشد، الذي اغتيل أثناء الانتفاضة، وهناك مَنْ يدّعي أنه توفي بغيبوبة سكر إذ كان يعاني من داء السكر ودخل في غيبوبة سكر، ومنصور الكيخيا كان يعاني من داء السكر أيضاً.
أنا أعتقد أن الإمام الصدر اغتيل على يد عبدالله حجازي أو سعيد راشد.
> ما التفسير للاغتيال؟
– أيضاً تتعدد الروايات ولكن أغلبها يقول إنه تم نتيجة خلاف حاد بينه وبين القذافي، ويبدو أنه حمل على القذافي وانتقده بشدة وهو كان يرى نفسه إلهاً فوق الانتقاد.
> ماذا تعرف عن فرار موسى كوسى المسؤول السابق عن الاستخبارات الليبية؟
– لم تربطني به أي علاقة، لا قبل سقوط النظام ولا بعد سقوطه.
> هل تم تنسيق فراره وانشقاقه معكم؟
– عبدالرحمن شلقم كان على علم، ولكن أعتقد أن ابن موسى كوسى المقيم في كندا لعب دوراً رئيساً في فراره. اعتقد ان عبدالرحمن وحافظ قدور سفيرنا في ايطاليا كانا يحرّضان ابناء موسى كوسى ليقنعوا والدهم بأن ينشق وأعتقد أن حافظ كان يحاول مساعدته حتى يأتي الى ايطاليا. وموسى كوسى عندما ذهب الى تونس، لسبب ما اختار أن يتوجه الى بريطانيا، فكان عرضة للتحقيق في قضايا لوكربي وقضية الشرطية البريطانية التي قتلت قرب السفارة الليبية. لا أعرف ما الذي دعاه للذهاب الى بريطانيا، ولا بد من أنه أعطاهم المعلومات المطلوبة فسمحوا له بالمغادرة الى قطر. يُقال إنه أصيب بألزهايمر ويعاني من اكتئاب نفسي ومنعزل. تردد في ليبيا أننا التقينا موسى كوسى في عمّان أخيراً، ولكن الحقيقة أن حالته الصحية سيئة.
> هل تزور ليبيا؟
– أزورها من حين الى آخر، لكن ليبيا الآن لو تم تبني فكرة الحوار الوطني والدعوة الى خريطة طريق جديدة كمخرج لهذا الاختناق سيكون لدينا أمل كبير في أن تكون المكونات السياسية المختلفة والتشكيلات العسكرية قد تيقنت من أنها وصلت الى طريق مسدود وأن لا خروج من هذا المأزق الليبي إلا بالجلوس الى طاولة الحوار.
> ما تقديرك لقوة «القاعدة» في ليبيا؟
– لا أستطيع تحديدها ولا املك معلومات محددة حول انتشارها.
> هل هم وراء مقتل السفير الاميركي؟
– ظهرت روايات أن قوى التشدد الاسلامي هي وراء ذلك. أعتقد ان لدى الاجهزة الاميركية اسماء وأن بعض تلك الأسماء مُرِّر الى الحكومة الليبية، كما اغتيل أخيراً مدرس اميركي.
> هل تخشى أن تستمر ليبيا على هذه الحال لعشر سنوات؟
– لا أعتقد أن الوضع الليبي سيستمر على حاله عشر سنوات. ليبيا الآن في مفترق طرق، الأمل كبير في أن تنجح فكرة الحوار وخريطة الطريق التي قدمت وتلقى تجاوباً، وأن يتجنب الليبيون الأسوأ حتى لو تأخر الأمر، فأن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي. البديل عن الحوار الوطني والاتفاق على كلمة سواء مرعب بكل المقاييس. قد ننزلق الى حرب أهلية، قد ننزلق الى التقسيم، وقد ننزلق الى اختراق السيادة بوجود قوات أجنبية على الأرض. البدائل الثلاثة مرعبة.
> كم تقدر حجم الثروة الضائعة في ليبيا التي أنفقها القذافي على مشاريع خيالية؟
<p style="tex